-A +A
سلمان السلمي (مكة المكرمة)
طالب عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان بضم مؤرخين وفقهاء أثناء تنفيذ التوسعات الجديدة للحرمين الشريفين؛ حتى لا تختفي الرؤية التاريخية عن هذه الأماكن المقدسة.. جاء ذلك خلال تداخله في محاضرة «أبواب الحرم المكي.. جولة في نسيج المكان» التي نظمها نادي مكة الثقافي الأدبي في مقره أمس الأول.
من جهته، أوضح المحاضر الدكتور عدنان الشريف أن التوطن حول المسجد الحرام بدأ في عهد قصي ابن كلاب، مشيرا إلى أن مكة المكرمة نشأت حول الكعبة المشرفة ببيوت القرشيين. وأوضح أن مصطلح الأبواب وجد قبل عمارة المسجد الحرام، وقد كان عدد أبواب المسجد الحرام 7 أبواب حتى عهد أبي بكر الصديق ــ رضي الله عنه، فلما جاء عهد عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ ووجد الحرم مزدحما بالحجاج والمعتمرين شيد جدارا يصل ارتفاعه إلى متر ونصف يحيط بالمطاف، وجعل في الجدار أبوابا بنفس العدد السابق. وأضاف أن الأروقة دخلت لأول مرة في عهد عثمان بن عفان ــ رضي الله عنه ــ الذي أنشأ أربعة أروقة، واهتم ببناء المسجد الحرام، سواء من ناحية جودة الخامات ونوعية الأبواب والأعمدة. وأبان الشريف أن العهد الأموي شهد توسعة للمسجد الحرام جرى فيها زخرفته، ونالت الأبواب اهتماما كبيرا من ناحية نوعية الرخام والفسيفساء. ولفت إلى أن العصر العباسي شهد نقلة نوعية في توسعة المسجد الحرام، حيث تم حفر مجرى لوادي إبراهيم الخليل وزيد عدد الأبواب إلى 23 بابا، وكان المسجد الحرام يستقبل قرابة 600 ألف حاج ومعتمر سنويا، وجرى إنشاء شبكة من الطرق التي تربط المسجد الحرام ببغداد والشام، وقد كانت هذه الطرق مضاءة ليلا للقوافل. وبين أن تسمية أبواب المسجد الحرام بأسماء نساء قد غاب منذ العصر العباسي، ولكن النساء لم يغبن عن العمل في المسجد الحرام في الأبواب كبوابات. وأشار إلى الاهتمام بالمسجد الحرام استمر من قبل الولاة والخلفاء حتى أتى العصر العثماني، حيث أعاد العثمانيون بناء المسجد الحرام وهدموا السقف الخشبي القديم واستخدموا السقف المقبب وخطوا بعض الأعمدة التي يصل عمرها إلى 1200 سنة بالرخام الذي تم جلبه من الشام وما زالت حتى الآن بتيجانها وقواعدها.

وأبان الشريف أن أبواب المسجد الحرام زاد عددها في العهد السعودي حتى تجاوزت 100 باب في الوقت الحالي، مؤكدا أن الحرمين الشريفين نالا من الاهتمام من حكام هذه البلاد، سواء في نوعية البناء أم في الاتساع ما لم يحظيا به طوال تاريخهما. ولفت إلى أن أبواب المسجد الحرام كانت مفتوحه بشكل دائم، وظلت على ذلك قرونا عديدة حتى القرن السادس الهجري في العصر المملوكي، حيث وضعت أوقاف للمسجد الحرام، وكانت هناك تنظيمات معينة خاصة بالبوابين، فتم إغلاق المسجد الحرام، ولم يترك إلا أربعة أبواب، وفي العهد العثماني كانت تغلق ليلا وهو بداية تنظيم عمل الأبواب، مضيفا أن أسماء الأبواب كانت تحمل دلالة رمزية، مثل باب العمرة لوقوع الباب تجاه شمال مكة حي التنعيم، وكذلك باب السلام حيث يحرص الحجاج على الدخول منه والدعاء بدعاء «اللهم أنت السلام ومنك السلام»، في حين كان لبعض الأبواب دلالة لإنجازات بعض الحكام، مثل الملك عبدالعزيز والملك فهد والملك عبدالله الذين قاموا بتنفيذ توسعات عملاقة للمسجد الحرام لم يشهد التاريخ مثلها، موضحا أن حجم الأبواب اختلف، حيث كانت الأبواب الواقعة في شمال الحرم مكونة من فتحة واحدة، أما في الجنوب فكان أصغر باب يتكون من فتحتين، أما شرق الحرم فكانت من فتحتين وثلاث فتحات، أما الغرب فمن فتحتين وفتحة واحدة، وكشف الشريف عن أن الباحثين لم يكتبوا عن علاقة المجتمع المكي بالمسجد الحرام، حيث الارتباط كبير بينهم وبين المسجد الحرام، سواء في أفراحهم أو أحزانهم من خلال الأبواب، فقد كانوا إذا حفظ أحد أبناء أعيان مكة القرآن الكريم يزف من خلال أبواب المسجد الحرام، وكذلك إذا تم ختانهم، وفي مناسبات الزواج كانوا يدخلون من أبواب معينة كجزء من احتفالاتهم.